نحو صحافة بلا هجاء        

 Vers Un Journalism Sans Satire

 

جاء دور التعليق السياسي الساخر الذي يقدمه عزّوز الكاسر بعنوان " صيد الأسبوع" ويوقعه باسم "قنّاص" . كنت أقرأ له في الصحف اليومية قبل أن يكتب في جريدتنا. معظم مفردات قاموسه من الشتائم القبيحة التي لا علاقة لها بالنقد السياسي. لم يكن حاضراً، فهو يكتب من خارج الجريدة. أعرف أنه وسيم إلا أن هناك تناقضاً واضحاً بين وسامته وقبح هجائه.  لابد أن المديرة وظفته ليتم تشكيلة الصحافيين، ولأن تعليقه يزيد من مبيعات الجريدة فقراؤه كثيرون. وفي الحقيقة لم أهتم كثيرا بسماع التعليق، وهو اليوم عن أحد الوزراء في الحكومة، لكن بالتلميح دون التصريح حتى لا يتعرض للمساءلة القانونية.

سألت عبد الحفيظ مرة :"  لماذا سمحتم لهذا الصحفي بالعمل وأنتم تعرفون أن توجهه يخالف خط الجريدة المتمثل في مد جسور المحبة بين الناس؟"

حكى لي قصة ناشر فرنسي في القرن التاسع عشر  كان ينشر الموسوعات العلمية العظيمة، وفي الوقت نفسه ينشر الروايات البوليسية، وحين سئل كيف يقبل نشر هذه الراويات التافهة؟ " أجاب :

" لو لم أنشر هذه الروايات لما استطعت أن أخدم العلم بنشر هذه الموسوعات المكلفة والتي لا يشتريها إلا عدد قليل من العلماء ولو لم أنشر هذه الراويات لنشرها غيري لأن لها قراءها"

-" لكن الأمر مختلف هنا "

-" بالعكس بعض الناس لا يقرؤون  الصحف لمجرد الأخبار. هم  يريدون أن يجدوا شيئا جديدا مثيرا فيها. لابد أن تحتوي الجريدة على بعض البهارات الحارة وتعليق عزوز الكاسر هو هذه البهارات.

-"أخاف أن تصبح مدرسة يتبعها كثيرون."

-"المدرسة التي تعتمد على سلاطة اللسان في الصحافة منتشرة بكثرة في العالم الثالث أكثر من تلك التي تعتمد على منهجية التحليل والتعليل، ولا نستطيع الوصول إلى صحافة نظيفة من السنة الأولى. لا بد أن نجمع في جريدتنا بين المدرستين، حتى يتعود الشعب تدريجيا على صحافة بلا هجاء."

                                  عبد الله خمّار               

من رواية "حب في قاعة التحرير"                      

الورقة الثانية: سحر الحبر الأسود